الثلاثاء، 3 يناير 2012

العم إدريس





عندما أسدل الليل عباءته على ملامح القرية ليخفيها من خارطة الزمان,و يمحي قسمات وجه الشهيد المبتسم داخل نعش الخيانة و الغدر.خرج الصبية خلسة من أكواخهم المنتصبة فوق مقبرة الشهداء,مترنحين كأغصان نخل تتمايل مع رياح الخريف;وجوههم شاحبة مصفرة,هزال و حفاة,يتوشحون بثوب أبيض ناصع البياض لعله يقيهم برد الغربة الأليم أو ينفض عنهم غبار الأمل المسلوب.
اجتمعوا كعادتهم كل مساء فوق الربوة الصغيرة بالقرب من الوادي الأحمر ليستمعوا إلى قصص العم إدريس الشيقة;فالقرية منعزلة عن باقي القرى و سكانها يتحملون العيش فيها قصرا,لا يتوفرون على الكهرباء أو الماء و لا يجيدون القراءة و لا الكتابة,لا يعرفون وطنا يأويهم و يحبهم غيرها.عملهم اليومي يقتصر على المعركة الدائمة مع الأرض للبقاء,حتى كلامهم قليل,لا يجمعهم غير السلام أو الصلاة في مسجد القرية العتيق.
الكل مشغول....الكل مقتول....
انتظر الصبية موعد وصول العجوز و هم يهتفون بصمت لعل صدى الصراخ داخلهم يطفئ لهيب برد الشتاء,أو أصواتهم المبحوحة تصل إلى ما وراء القرية و تردد في الأنحاء .
التفوا حول النار التي ما تزال مشتعلة سنوات و سنوات,لا تنطفئ يوما بدموعهم أو بدمائهم و كأن ماردها يأبى الإنسحاب.
يلتفتون يمنة و يسرة لعلهم يلمحون طيفه من بعيد أو يسمعون طرطقة عكازه المرتشي على العشب اليابس فيهرعون لمساندته على تخطي مصاعب الطريق أو يحملون عنه كتاب التاريخ الثقيل الذي أثقل كاهله بأسماء كتبت من حبر دماء المجاهدين.
انتظروا...و انتظروا...........و ما زالوا ينتظرون
و لكن العم إدريس لم يأت... و لن يأتي
فقد أصبح يسكن معهم في القرية بعد أن اغتالته أيدي الغزاة في طريقه إليهم,
و عكازه بقي مرميا في الوادي الأحمر تتقاذفه دموع الحسرة,بعد أن أحرق كتاب حكاوي التاريخ و أصبحت القرية بلا عنوان أو تاريخ.....


هناك تعليق واحد:

  1. حسن تزنيت ..

    ان ذهب العم ادريس سياتي احفاده ،،، وسيأتي يوما يحمل احدهم عكازه ...

    السر والقوة في العكاز ....وليست في كتب التاريخ ..فالارض هي التي تحكي ...
    فقط هي تتجاوب مع من يتقن لغتها ويستمع ل آهـــــــاتــــهــــــا ...

    ردحذف